لم يكن تلفيق مليشيا الحوثي الإرهابية تهم الجاسوسية والعمالة التي وجهتها لعدد من معدي المنهج التعليمي الجمهوري، بعد أن جرى اختطافهم، مجرد تصرفات إرهابية فحسب؛ إنما يأتي في سياق حرب المليشيا المتواصل ضد الهوية الوطنية الجامعة، في مسعى لفرض الثقافة الإيرانية الدخيلة على اليمنيين جبراً.
بدأت مليشيا الحوثي حربها ضد المنهج التعليمي منذ انقلابها الدموي، في سياق هذا المشروع، وسارت خطوة خطوة، كانت أولى حربها قطع رواتب الموظفين، وصولاً إلى إضافة دروس ذات نهج طائفي يمجد سلالاتها ومشروعها، أو بإلغاء أخرى بما فيها الدروس التي تعلي الانتماء الوطني للنظام الجمهوري والجمهورية، وتدين النظام الكهنوتي الإمامي الذي ثار عليه اليمنيون في 26 سبتمبر 1962م.
غير أن المليشيا واجهت في بادئ الأمر رفضاً قوياً من قِبل المؤتمر الشعبي العام برئاسة الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، وكان موقفه التاريخي لمنع تفخيخ المناهج وتهديد النسيج الاجتماعي السبب الرئيسي لشن مليشيا إيران حرباً عليه، ولمدى إيمانه المطلق بأهمية ما يقوم به واجه المليشيا بسلاحه الشخصي حتى استشهد شامخاً داخل منزله وسط العاصمة المختطفة صنعاء.
وهذا الرفض الشعبي واسع النطاق، أدى إلى عرقلة محاولات المليشيا الإيرانية الإسراع في تغيير المنهج التعليمي بشكل كامل، والاقتصار على إضافة دروس أو إلغاء جزء منها، وإدخال معلمين إلى المدارس ممن ينتمون إلى سلالاتها.
في الأيام السابقة، بثت مليشيا الحوثي اعترافات أُخذت بالإكراه من أربعة من مؤسسي المنهج التعليمي الحديث، أجبرتهم على الإقرار فيها بأنه تم تجنيدهم لصالح المخابرات الأمريكية لتدمير التعليم في اليمن منذ 1990 وحتى 2021م، وما قالوا إنها خطط حتى عام 2050م.
من بين الذين ظهروا في مجموعة من مقاطع فيديو الاعترافات المفبركة، الخبير الاستراتيجي لأنظمة التعليم العام ومحو الأمية في اليمن البروفيسور محمد حاتم المخلافي، المحاضر في جامعة صنعاء وعميد أربع كليات تربوية في البلاد منذ الثمانينيات وحتى 2021م، الذي اختطفته مليشيا الحوثي قبل أشهر.يُعد "المخلافي" واحداً من أبرز كوادر التعليم في اليمن، سواءً في التعليم العام أو الجامعي أو الدراسات العليا، حيث ترأس منذ 1990 عشرات اللجان لتطوير التعليم، وأجبرته المليشيا على الاعتراف بتهم مزيفة، لقيت سخرية واسعة من قِبل رواد التواصل الاجتماعي نظراً لهشاشتها وانكشافها بوضوح.
مراقبون وصفوا هذا النهج الحوثي، بأنه يأتي في سياق مساعي المليشيا تغيير المنهج التعليمي بشكل كامل، وبناء منهج تعليمي مستنسخ من المنهج الإيراني الخميني الذي يمجد نظام الولاية.
المراقبون أكدوا أيضاً، أن المليشيا لجأت إلى خطوة سلالية تبرر فيها سلوكها الإرهابي هذا، لقمع أي سخط شعبي يطالها، مشيرين إلى تعمدها إظهار التعليم في اليمن منذ ستة عقود وحتى اليوم أنه كان مدخلاً لمؤامرة أمريكية صرفة تستهدف الهوية اليمنية.
ركزت المليشيا على توجيه تهم مزيفة للأكاديميين وقادة التعليم في مناطق سيطرتها على أساس دراستهم في الولايات المتحدة، وعملهم ضمن مشاريع لوزارة التربية والتعليم و"التعليم العالي" بتمويل من منظمات دولية بينها الوكالة الأمريكية للتنمية ويونيسف و"جي آي زد" الألمانية، ومنظمات أخرى أوروبية وأمريكية.
لم تقف هذه الاتهامات عند هذا الحد؛ بل شملت أيضاً تهماً موجهة لهم بمشاركتهم في ابتعاث عدد كبير من الطلاب لدراسة الماجستير والدكتوراه في أمريكا ومصر والأردن؛ وبعد عودتهم يتولون قيادة كلية التربية ووزارة التربية والتعليم.
بعد قيام الوحدة اليمنية، كان من الضروري أن تكون مناهج التعليم العام موحدة، لذلك كان وجود خطط لتأليف المناهج الجديدة تستوعب قدرات الطلاب من النظامين ضرورية.. ولجأت المليشيا لاستخدام ذلك التغيير لإلصاقه كتهمة للشخصيات التي شاركت وقادت مشاريع التأليف، وذلك عبر تلفيق تهم مزيفة تدعي بطلان هذا المنهج وتعارضه مع القيم، كمبررات لاستبداله، كما تم اتخاذ تهمة الجاسوسية مبرراً لحملات الاعتقالات التعسفية التي تطول قادة التعليم.
ومنذ انقلابها الدموي، عمدت المليشيا إلى ترويج دعاية مزيفة أن اليمن في العهد الجمهوري كان مسرحاً للاستخبارات الخارجية والنفوذ الدولي، وتبرير جرائمها في إدارة مؤسسات الدولة- التي قوبلت بحالة سخط شعبي متزايد في مناطق سيطرتها- وإلقاء اللوم على ما تسميه التدخل الخارجي، وتبرير حالة الفساد واللصوصية التي تتستر عليها.
كما أن ذلك يُعد جزءاً من سياسة تكرس وضع انغلاق اليمن عن الخارج وانكفائها على الداخل كما هو الحال حالياً في إيران، وكما كان عليه الوضع خلال حُكم الأئمة.