في حرب يوليو/ تموز 2006، كانت صور حسن نصر الله- زعيم حزب الله الإرهابي- تسود المنطقة، وقتها كان هذا الزخم نابع من الاعتقاد بأن الحزب يقاتل إسرائيل فعلًا، واليوم، بمقتله، يتذكر العرب تلك الدماء التي أراقها الحزب في سوريا والعراق واليمن فلا يرف لهم جفن تجاه مصيره الذي يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة.
في يوليو 2018، أطل نصر الله في خطاب مطوّل عبر شاشات التلفزة، وهو يتمنى أن يكون مقاتلًا في الساحل الغربي لليمن إلى جانب مليشيا الحوثي، ويتحسر لأنه لم يظفر بهكذا فرصة، ثم لاحقًا بدا منتشيًا بينما كانت مليشيا الحوثي تهاجم محافظة مأرب التي اعتبر سقوطها "انتصارًا لمحور المقاومة"؛ لكنه كان كمن يبحث عن أمنياته في فلك المستحيل.
مثلما كان نصر الله يترقب لحظة سقوط مأرب، كانت إيران تتوعد: "لَنصومَن غداً في مأرب ولنفطرن بتمرها"، كما نشرت وكالة مهر الإيرانية تحت هذا العنوان يوم الثاني عشر من أبريل 2021، في ذروة الهجوم الحوثي على المحافظة، الذي كلف المليشيا نحو 15 ألف قتيل كما اعترفت المليشيا نفسها آنذاك. لقد كانت إيران وأذرعها يتمنون كل التمني أن يجرف سيل الطائفية مأرب غير أن سدها المنيع المقاوم أبطل سحر الكهنة وأعاد جحافل المليشيا جثثًا هامدة.
كان الزمنُ، كما يقول متابعون، كفيل بأن يكشف الدور الذي أنشئ من أجله حزب الله، الذي أُسس عام 1982 ليكون خنجرًا في خاصرة العرب. في البداية كان الاعتقاد السائد أن حزب الله بمثابة مدفعية على الجبهة المتقدمة في المعركة العربية ضد الاحتلال الصهيوني؛ لكن هذه المدفعية أعادت تموضعها لتصوب طلقاتها إلى صدور العرب في سوريا والعراق واليمن وأراقت دماء غزيرة، بينما تترك ظهرها للاحتلال.
ساهم حزب الله بتوجيهات زعيمه القتيل حسن نصر الله، في قتل عشرات الآلاف السورين قبل أن ينقل مهامه في القتل إلى اليمن عبر أفواج من الخبراء الذين أُرسلوا لإدارة الهجمات ضد اليمنيين، وعلى رأسهم قائد الوحدة الجوية والمسيّرات محمد حسين سرور، الذي تواجد لفترة في اليمن قبل عودته إلى لبنان ومن ثم مقتله بغارة للاحتلال في موجة الهجمات الأخيرة.
وبحسب مراقبين، فإن إيران التي وصف رئيسها مسعود بزشكيان، مؤخرًا، الأمريكيين بأنهم "إخوة" للإيرانيين بخلاف الخطاب الإيراني السائد الذي يصف أمريكا بـ"الشيطان الأكبر"، قررت بيع حزب الله في نهاية المطاف بحثًا عن صفقة تلتمس فيها تحقيق مصالحها وإعادة تمتين علاقتها مع الغرب وإنهاء القطيعة التي عزلتها سنين عن العالم.
ووفقًا للمصادر، فإن هذا الاختراق الاستحباري غير المسبوق ابتداء من تصفية فؤاد شكر أواخر يوليو الماضي، حتى اغتيال حسن نصر الله بالأمس، يدلل أن الحزب قُدم كبش فداء لإسرائيل، سواء من إيران نفسها، أو من أتباع لها داخل الحزب وظفتهم تل أبيب لتوجيه الضربة القاضية لوكيل طهران الأول في المنطقة وهد أركانه.
ومنذ طوفان الأقصى حتى مقتله، ظل نصر الله يناوش بما يسميها رشقات صاروخية على "تبة الشبكة"، ولم يتجاوز الأراضي اللبنانية المتنازع عليها.
لم يخدم غزة وأبناء غزة بشيء؛ بل- بهذا السقوط المدوي- صنع نصرًا غير مستحق للكيان الصهيوني.