قبل أيام كان الرئيس الإيراني مسعود بزيشكان، يصرّح من طهران بخلاف النبرة الإيرانية المعتادة التي يسمي فيها الإيرانيون دعائياً الولايات المتحدة الأمريكية ب"الشيطان الأكبر" بينما ينظر بزيشكان من زاوية أكثر مرونة فيصف الأمريكيين بأنهم "إخوة للإيرانيين".
التصريحات المثيرة للجدل لبزشكيان، والتي أدلى بها خلال مؤتمر صحفي قال فيها بالحرف الواحد: "نحن لا نعادي الولايات المتحدة. عليهم أن يوقفوا عداءهم تجاهنا من خلال إظهار حسن نيتهم عمليا"، مضيفا "نحن إخوة للأمريكيين أيضا"، في الوقت الذي كانت طائرات الاحتلال الإسرائيلي تحصد رؤوس كبارات رجالات حزب الله في الضاحية الجنوبية وبيروت.
يحلل خبراء هذه المواقف المتراخية الدالة على موقف ضعف والتي ترافقت مع تصريحات مسؤولين ايرانيين كبار بعدم نية طهران التصعيد واستعدادها للتفاوض، بأنها تترجم التزاما إيرانيا بالحياد في هذه المحطة التي يواجه وكلاؤها في لبنان مأزق لا يخفون فيه امتعاضهم من "خذلان" إيران لهم وتركهم وحيدين تحت لهيب الغارات الإسرائيلية التي لا تتوقف.
لم يستبعد الخبراء أن تكون إيران قدمت نصر الله كبش فداء لمصالحها، وكما هو واضح أنها تخلت أيضا حتى عن الانتقام لاغتيال إسماعيل هنية بعد طول وعيد وتوعد، وقد تُخرج حزب الله من حساباتها الاستراتيجية بعد الانتكاسة التي تعرض لها، كخيار أفضل من الذهاب نحو تصعيد يفقدها توازنها، فإيران تعلي مصالحها على كل شيء ولا يعنيها المصير الذي سيؤول اليه وكلاؤها بعد أن يؤدوا الدور الذي رسمته لهم.
انهيار مسار التصعيد نحو الحرب الشاملة، امر مستبعد وغير وارد كما يقول مراقبون، فأسلوب الخطاب الإيراني المتودد للغرب بات ميالا أكثر الى البحث عن تهدئة، وهو الموقف الذي ستعكسه إيران على وكلائها في المنطقة كونهم لا يقدمون على أي خطوة إلا بأوامر وإيعاز منها.
وقد مثل مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله حدثا مفصليا اثار تساؤلات جديّة حول مستقبل الحزب في لبنان ودوره في المنطقة على حدٍ سواء، بعد ما كان أحد أهم الأدوات التي استخدمتها إيران لعقود في إرساء مداميك مشروعها التوسعي في المنطقة، وقدم نفسه في صورة المحارب والمدافع عن الأطماع الإيرانية دون منازع.
كان حسن نصر الله في زعامة الحزب أحد أهم اللاعبين المؤثرين في المنطقة لسنوات، فبأوامره أرسل الحزب أفواجًا من مقاتليه الى سوريا، حيث ارتكب هناك أبشع المذابح بحق الشعب السوري إلى جانب الحرس الثوري، ونفس الأمر في اليمن كان لحزب الله حضورٌ واضحٌ في الوقوف الى جانب مليشيا الحوثي الإرهابية لم يخفه نصر الله ذاته.
وأسفرت هجمات الكيان الصهيوني عن اغتيال كافة أعضاء المنظومة القيادية لحزب لله تقريبا، من الصفين الأول والثاني، بينهم قادة شاركوا في تدريب مليشيات إيرانية في المنطقة، مثل قائد الوحدة الجوية والطيران المسير محمد حسين سرور الذي عمل في اليمن لفترة في مهام تدريب وإسناد مليشيا الحوثي.
ويرى خبراء أن هذا الحدث المفصلي، لن تقتصر انعكاساته على الداخل اللبناني فقط، بل ستمتد الى ما هو أبعد من ذلك على مستوى المنطقة، كون الحزب كان ضليعًا في مختلف الأحداث التي دارت في دول عربية عدة، اليمن والعراق وسوريا على وجه التحديد.
أقدمية العمل لصالح إيران، أكسبت حزب الله خبرات متعددة وراكمت كفاءاته العسكرية، كما مُنح صلاحيات أوسع من قبل داعميه في طهران، مكنته من لعب دور الوكيل الأهم لإيران، واُعتمد عليه في تنشئة الوكلاء الجدد، فقد كان الحضن الدافئ لمليشيا الحوثي منذ البدايات الأولى لتشكلها، واستمر في دعمها حتى الآن.
ويشير خبراء إلى أن العاصفة الدامية التي واجهتها البلاد العربية خلال السنوات الماضية في البلدان التي تفشى فيها فيروس النفوذ الطائفي الإيراني، كان حزب الله ضليعا في كل تلك المذابح، مما يعني أن أي مصير سيواجهه الحزب ستكون له انعكاسات بالتأكيد على المنطقة.