انطلقت أعمال القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية، الاثنين، في الرياض، لبحث سبل وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والعمليات العسكرية المتصاعدة في لبنان، وما لها من تداعيات إنسانية، إلى جانب تطورات الأوضاع في المنطقة.
تأتي هذه القمة، التي تنعقد بدعوة من السعودية، امتداداً للقمة العربية والإسلامية المشتركة التي استضافتها الرياض في 11 نوفمبر 2023، وشهدت حضور قادة أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية.
وتهدف القمة إلى متابعة نتائج وتوصيات القمة السابقة، ومواصلة جهود وقف إطلاق النار، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة، بالإضافة إلى مناقشة استمرار تصعيد العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ولبنان.
وعكست القمة الأولى غير العادية استجابة سريعة من السعودية، بصفتها رئيسة القمتين العربية والإسلامية، للأحداث الجارية في قطاع غزة.
وصدرت عن القمة سلسلة قرارات، أبرزها "الإدانة الشاملة للعدوان الإسرائيلي ورفض تبريره تحت أي ذريعة"، كما دعت القمة إلى ضرورة فرض وقف فوري للحرب، مع التأكيد على دعم المجتمع الدولي لهذه الدعوات.
وفي الجانب الإنساني، طالبت القمة بكسر الحصار المفروض على غزة، وفرض إدخال المساعدات الإنسانية العربية والإسلامية والدولية، مع الدعوة إلى وقف توريد الأسلحة التي يستخدمها الاحتلال في تدمير المنشآت المدنية الفلسطينية.
وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: "تجدد المملكة إدانتها ورفضها القاطع للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الشقيق، وراح ضحاياها أكثر من مائة وخمسين ألفاً من الشهداء والمصابين والمفقودين معظمهم من النساء والأطفال".
وحذر الأمير محمد بن سلمان من أن "استمرار إسرائيل في جرائمها بحق الأبرياء والإمعان في انتهاك قدسية المسجد الأقصى المبارك، والانتقاص من الدور المحوري للسلطة الوطنية الفلسطينية على كل الأراضي الفلسطينية، من شأنه تقويض الجهود الهادفة لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإحلال السلام في المنطقة".
وعبّر عن شجب السعودية "منع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من الأعمال الإغاثية في الأراضي الفلسطينية، وإعاقة عمل المنظمات الإنسانية من تقديم المساعدات الإغاثية للشعب الفلسطيني الشقيق".
وأعرب ولي العهد السعودي عن "إدانة المملكة العميقة للعمليات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت الأراضي اللبنانية"، ورفض تهديد أمن لبنان واستقراره وانتهاك سلامته الإقليمية وتهجير مواطنيه.
وقال الأمير محمد بن سلمان: "تؤكد المملكة وقوفها إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان لتجاوز التبعات الإنسانية الكارثية للعدوان الإسرائيلي المتواصل، وندعو المجتمع الدولي للنهوض بمسؤولياته لحفظ الأمن والسلم الدوليين بالوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية على الأشقاء في فلسطين ولبنان، وإلزام إسرائيل باحترام سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة وعدم الاعتداء على أراضيها".
وأضاف: "لقد اتخذت دولنا خطوات مهمة عبر تحركها المشترك على الصعيد الدولي لإدانة العدوان الإسرائيلي الآثم وتأكيد مركزية القضية الفلسطينية، ونجحنا في حث المزيد من الدول المحبة للسلام للاعتراف بدولة فلسطين، وحشدنا للاجتماع الدولي لدعم حقوق الشعب الفلسطيني الذي عبرت عنه قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار فلسطين مؤهلة للعضوية الكاملة للأمم المتحدة، والمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية، كما أطلقنا التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومملكة النرويج التي استضافت المملكة مؤخراً اجتماعها الأول، وندعو بقية الدول للانضمام لهذا التحالف".
وتابع ولي العهد السعودي: "ومن هذا المنطلق، نؤكد أهمية مواصلة جهودنا المشتركة لإقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، كما نؤكد ضرورة المحافظة على سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، ونتطلع إلى أن تسهم هذه القمة في تحقيق ما نصبو إليه جميعاً".
وفي كلمته أمام القمة، جدد الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، موقف اليمن الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني، ودعم حقه المشروع في مقاومة الاحتلال، وإقامة دولته المستقلة، مشدداً في ذات الوقت على أن تقوية الموقف الوطني الفلسطيني، وتعزيز فرص حل الدولتين، يبدأ بتقوية الموقف العربي، وتعزيز تماسكه الداخلي، وردع المليشيات المسلحة في المنطقة.
كما أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي في كلمته، إدانة اليمن للعدوان الإسرائيلي على لبنان، وتأييدها الكامل لمساعي حكومته من أجل وقف دائم لإطلاق النار، وتعزيز دور مؤسساتها الوطنية، وتمكينها من فرض سيادتها على كامل أراضيها وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
وقال العليمي، إن ردع السلوك الإسرائيلي العدواني لا يمكن له أن يتحقق عبر حروب بالوكالة، وإنما من خلال حل النزاعات، والخلافات البينية، ودعم الدولة العربية الوطنية وهويتها وسلمها الاجتماعي في مواجهة المليشيات المسلحة، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية دون انتقاء، أو تسويف.
وفي هذا السياق، جدد العليمي موقف الحكومة اليمنية الرافض لممارسات المليشيات الحوثية الإرهابية التي فاقمت من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لشعوب المنطقة، وقادت إلى عسكرة البحار والمياه الإقليمية خدمة للمصالح والأطماع التوسعية العدائية في المنطقة.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس، دعا- في كلمته- الدول العربية والإسلامية إلى مطالبة مجلس الأمن والجمعية العامة بتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، "ما لم تلتزم بالقانون الدولي وبتعهداتها الموثقة وتنهي جرائمها ضد الشعب الفلسطيني".
وقال في كلمته: "إن جرائم الاحتلال تتطلب منا جميعاً العمل على تحقيق تنفيذ قرار مجلس الأمن 2735، القاضي بوقف العدوان وتأمين وصول الاحتياجات الإنسانية، وانسحاب الاحتلال من القطاع، ورفض مخططات فصله عن الضفة، وتولي دولة فلسطين مسؤولياتها السيادية".
ودعا الرئيس الفلسطيني القادة المشاركين في القمة "بحماية القدس ودعم صمود أهلها، ومنع المساس بالمسجد الأقصى، والوضع التاريخي والقانوني للمقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة".
وشدد على أهمية دعم التحالف الدولي "لتجسيد دولة فلسطين، وحصولها على عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، وتطبيق مبادرة السلام العربية، ومواصلة حشد الدعم الدولي لتمكين دولة فلسطين من القيام بمهامها في تعزيز صمود شعبنا، وحماية وحدته الوطنية".
وطالب عباس بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للإفراج عن الأموال الفلسطينية، وتوفير شبكة الأمان المالية، وحماية وتعزيز عمل وكالة الأونروا وتمكينها من مواصلة مهامها في فلسطين.
وأكد الرئيس الفلسطيني أن العمل جار على وضع الآليات واللجان والأجهزة اللازمة للحكومة لإدارة قطاع غزة تحت ولاية دولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية.
"المنطقة والعالم على مفترق طرق"
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال كلمته، إن "مستقبل المنطقة والعالم أصبح على مفترق طرق"، لافتاً إلى أن "القمة في الرياض تنعقد في ظل وضع إقليمي شديد التعقيد".
وأكد السيسي موقف مصر مجدداً بـ"الوقوف أمام كل المخططات لتصفية القضية الفلسطينية عبر تهجير المدنيين أو نقلهم قسرياً من أجل تحويل القطاع غير صالح لحياة، وهو أمر لن نقبل به تحت أي ظرف من الظروف". كما أدان "بشكل قاطع، حملة القتل الممنهج، التي تمارس بحق المدنيين في قطاع غزة".
وأضاف أن "الشرط الضروري من أجل تحقيق الأمن والاستقرار وتحقيق الازدهار والتنمية في المنطقة، هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
كما أكد السيسي أن "مصر ملتزمة بشكل كامل لتقديم الدعم إلى اللبنانيين ومؤسسات الدولة، وفي مقدمها الجيش اللبناني"، وأضاف: "سعياً لوقف العدوان والتدمير في لبنان، ندعو إلى وقف نار فوري وغير انتقائي تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 1701".
دعوة لإطلاق جسر إنساني
ودعا ملك الأردن عبدالله الثاني الدول، التي وصفها بـ"الشقيقة والصديقة" للمشاركة في إطلاق جسر إنساني لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، "وإيصال المساعدات الطارئة إلى القطاع الذي يعاني من كارثة إنسانية"، بحسب تعبيره.
وقال: "لا بد من تحرك فوري لإنهاء العدوان، وما يسبب من قتل ودمار وتصعيد في المنطقة.. لا نريد كلاماً، نريد مواقف جادة وجهوداً ملموسة لإنهاء المأساة، وإنقاذ أهلنا في غزة، وتوفير ما يحتاجون من مساعدات".
"لبنان يمر بأزمة تاريخية"
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، إن لبنان يمر بأزمة تاريخية غير مسبوقة جراء العدوان الإسرائيلي تهدد حاضره ومستقبله، داعياً إلى "العالم إلى احترام خصوصية لبنان ومجتمعه التعددي".
وأضاف ميقاتي: "لا يمكن أن تستمر إسرائيل في عدوانها المتمادي على لبنان وشعبه، وانتهاك سيادته، وتهديد وجوده من دون حسيب أو رقيب".
وتابع: "لقد تسبب العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان في خسائر إنسانية فادحة، تتجاوز عدد الضحايا حتى الآن أكثر من 3 آلاف و200 شهيد، بينهم أكثر من 775 طفلاً وسيدة".. وأضاف: "تسبب هذا التصعيد بإجبار حوالي مليون و200 ألف لبناني على النزوح في غضون ساعات معدودة، ما أضاف حملاً جديداً على كاهلنا وعلى وضعنا الداخلي المثقل بالأزمات المتتالية".
"الأولوية لوقف المجازر"
بدوره، قال الرئيس السوري بشار الأسد: "لن نتحدث عن حقوق الفلسطينيين التاريخية الثابتة وحتمية التمسك بها أو واجبنا تجاه دعم الشعبين الفلسطيني واللبناني وشرعية المقاومة في كلا البلدين، ولا عن نازية الاحتلال الإسرائيلي، فهذا لن يضيف شيئاً لما يعرفه الكثيرون في العالم".وأضاف الأسد: "نقدم السلام فنحصد الدماء، وتغيير النتائج يستدعي استبدال الآليات والأدوات". وشدد على أن "الأولوية حالياً لوقف المجازر ووقف الإبادة ووقف التطهير العرقي".
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن "الدول الغربية تقدم كل أنواع الدعم لإسرائيل" لاستمرار القتل في غزة ولبنان، داعياً إلى "تشجيع أكبر عدد ممكن من الدول للانضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية".
وأشار أردوغان إلى إرسال تركيا أكثر من 84 ألف طن من المساعدات إلى غزة حتى الآن، وأعرب عن استعدادها لإرسال المزيد عندما تزول العوائق.
"لا سلام مع القتل والتنكيل"
بدوره، قال أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، إن "سلبية المجتمع الدولي ساعدت إسرائيل في توسعة نطاق الحرب"، مشدداً على ضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة ولبنان.
وأضاف أبو الغيط أنه "لا سلام مع القتل والظلم والتنكيل"، مشيراً إلى أن "إسرائيل تريد قتل الأمل بدولة فلسطينية مستقلة"، مؤكداً أن "هناك خطة واضحة لإسرائيل بتدمير المجتمع الفلسطيني في غزة".
وقال أمين عام الجامعة العربية، إن "50% من سكان قطاع غزة يعيشون على 10% من مساحتها"، مشدداً على أن "منسوب الخطر بلغ مستوى لا يمكن احتماله، ومطلوب وقف إطلاق النار في لبنان استناداً للقرار الأممي 1701".
من ناحيته، قال أمين عام منظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، إن "القمة تعقد في لحظة توجد فيها المشاكل العسكرية والإبادة الجماعية للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وفي لبنان وبكل عواقبها الكاملة على مستقبلها، وعلى اللاجئين والتهديدات التي حدثت لوكالة الأونروا، كل هذه الممارسات تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة".
وأكد أن "الحل الأمثل هو تنفيذ حل الدولتين وقرار مجلس الأمن لوقف إطلاق النار". ودعا إلى "انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية".
كما طالب بـ"توسيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأن يكون لها عضوية دائمة في الأمم المتحدة وتنفيذ حل الدولتين الذي يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف وتطبيقاً لقرار الأمم المتحدة والمبادرة العربية للسلام".